منتديات قسم العلوم الاجتماعية سعيدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الفلسفة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 محاورة مينون الجزء لثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 54
تاريخ التسجيل : 03/07/2012

محاورة مينون الجزء لثالث  Empty
مُساهمةموضوع: محاورة مينون الجزء لثالث    محاورة مينون الجزء لثالث  I_icon_minitimeالإثنين يوليو 09, 2012 8:34 pm

الفرض الثّالث: إذا كان الواحد موجودا وغير موجود ؟
بارمنيدس
XXI - لقد بقي أمر ثالث للفحص. فإذا كان الواحد كما قد بينّاه، أي واحدا وكثيرا، ولا واحدا ولا كثيرا ومشاركا في الزّمن، فإنّه لامحالة سيشارك في الوجود من حيث أنّه واحد، ولن يشارك في الوجود من حيث أنّه ليس بواحد.
أرسطو
لا محالة.
بارمنيدس
وهو من المحال عليه حين مشاركته في الوجود ألاّ يكون مشاركا، وحين لا مشاركته في الوجود أن يكون مشاركا.
أرسطو
من المحال.
بارمنيدس
إذن فزمن المشاركة هو غير زمن اللاّمشاركة، لأنّ هذين المعنيين لا يمكن أن يحصلا في شيء واحد إلاّ كذلك.
أرسطو
صدقت.
بارمنيدس
وأيضا، فإنّ زمن المشاركة في الوجود هو غير زمن المفارقة عنه. إذ كيف يمكن أن يُنَال شيء واحد ثمّ لا يُنَال، إن لم يكن بأن يُأْخَذَ تارة، ويُتْرَكَ أخرى ؟
أرسطو
إنّه لا يكون إلاّ كذلك.
بارمنيدس
وأن يَأْخذ بالمشاركة في الوجود إنّما تُسمّى نشأة ؟
أرسطو
إنّها تسمّى نشأة.
بارمنيدس
وأن يفارق الوجود إنّما تسمّى فناء.
أرسطو
تسمّى فناء.
بارمنيدس
فالواحد إذًا حين يأخذ بالمشاركة في الوجود ينشأ، وحين يفارق الوجود يفنى.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
ولمّا كان الواحد واحدا وكثيرا، ويولد ويفنى، فلا جرم أنّه حين يصير واحدا فهو يفنى من حيث هو كثير، وهو حين يصير كثيرا، فإنّه يفنى من حيث هو واحد.
أرسطو
لا جرم.
بارمنيدس
ولكنّه حين يصير واحدا وكثيرا، فبالضّرورة هو ينقسم ويلتئم.
أرسطو
بالضّرورة إطلاقا.
بارمنيدس
وحين يصير لا متشابها ومتشابها، فهو ينقلب إلى حقيقة واحدة أو يتفرّق.
أرسطو
إي نعم.
بارمنيدس
وحين يصير أكبر، و أصغر، و مساويا، فهو يتزيّد، و يتنقّص، و يتساوى.
أرسطو
حقّا.
بارمنيدس
وهو إذا تحرّك فيكون ساكنا، وإذا سكن فيكون متحرّكا، فإنّه لا محالة لا يكون في زمن البتّة.
أرسطو
وكيف هذا ؟
بارمنيدس
أن يكون أوّلا ساكنا ثمّ يتحرّك، وأن يكون متحرّكا أوّلا ثمّ يسكن، فالواحد لا يمكنه أن يتحلّى بهاتين الصّفتين إلاّ إذا تغيّر.
أرسطو
بلى إلاّ إذا تغيّر.
بارمنيدس
وهو لا يوجد زمن يمكن فيه لِشيء واحد أن يكون ساكنا ومتحرّكا معًا.
أرسطو
لا يوجد البتّة.
بارمنيدس
وهذا الشّيء لا يمكن أن يتغيّر بلا تغيّر.
أرسطو
إنّه لا يمكن.
بارمنيدس
فمتى إذًا هو سيتغيّر ؟ إذ الشّيء لا يتغيرّ لا حين يكون ساكنا، ولا حين يكون متحرّكا، ولا حين يكون في الزّمن.
أرسطو
قطعا.
بارمنيدس
وهذا الأمر الّذي نكون فيه حين نتغيّر لَشيء عجيب.
أرسطو
وأيّ شيء ؟
بارمنيدس
إنّه الآن؛ فيشبه أن يكون الآن مبدأ التغيّر في الاتّجاهين الاثنين. إذ أنّ التغيّر لا يبدأ من السّكون السّاكن بعد، ولا من الحركة المتحرّكة بعد؛ بل هناك كائن عجيب هو الآن يوجد بين الحركة والسّكون، ولا يكون في زمن إطلاقا، ومن هذا الآن إنّما يبدأ التغيّر، إمّا التغيّر من الحركة إلى السّكون، أو من السّكون إلى الحركة.
أرسطو
لكأنّ الأمر كما قلت.
بارمنيدس
إذن فالواحد لو صحّ بأنّه ساكن ومتحرّك، فلابدّ أن يتغيّر لكي يتّصف بواحد من الأمرين. ولا سبيل له ذلك إلاّ بالتغيّر. لكن إذا تغيّر الواحد فسيتغيّر في الآن، وهو حين تغيّره، لا يمكن أن يكون في زمن البتّة، ولا يكون لا في حركة ولا في سكون.
أرسطو
صدقت.
بارمنيدس
وأنماط التغيّر الأخرى يصحّ فيها ما صحّ هنالك. أي حين ينتقل الواحد من الوجود إلى الفناء، أو من العدم إلى النّشأة، فهو لا محالة إنّما يتعدّى بحال متوسّطة بين نوع من الحركة، ونوع من السّكون، فيكون الواحد حينذاك لا لا موجودا، ولا لا يصير، ولا يفنى.
أرسطو
لكأنّ الأمر كما قلت.
بارمنيدس
ولِلعلّة نفسها، فالواحد حين ينتقل من الواحد إلى الكثير، ومن الكثير إلى الواحد، فهو يكون لا كثيرا ولا واحدا، ولا ينقسم ولا يجتمع. وأيضا حين ينتقل من المشابهة إلى اللاّمشابهة، ومن اللاّمشابهة إلى المشابهة، فهو يكون لا مشابها، ولا لا مشابها، ولا يصير لا مشابها ولا لا مشابها. و حين ينتقل من الصّغر إلى الكبر أو إلى المساواة، أو بالعكس، فهو لا يكون صغيرا، ولا كبيرا، ولا مساويا، ولا يتزيّد ولا يتنقّص، ولا يتساوى.
أرسطو
لكأنّ الأمر كما قلت.
بارمنيدس
ذلك ما يكون حال الواحد كلّها إن كان موجودا.
أرسطو
إنّه لا مرية في كلّ ذلك.

الفرض الرّابع: إذا كان الواحد موجودا، فأيّ شيء يلزم لسائر الأشياء ؟
بارمنيدس
XXII - ولننظر الآن إن وُجد الواحد فما يلزم في الأغيار.
أرسطو
لننظر.
بارمنيدس
لنضع إذًا الواحد ولِنر ما عسى أن يلزم في الأشياء الغير الواحد.
أرسطو
لنضع.
بارمنيدس
لمّا كانت الأغيار أغيارا للواحد، فهي ليست بالواحد، وإلاّ لما كانت أغيارا للواحد.
أرسطو
صدقت.
بارمنيدس
ومع ذلك فالأغيار لا تكون فقيرة كلّ الفقر من الواحد، بل لَتشارك فيه بنحو ما.
أرسطو
وكيف هذا ؟
بارمنيدس
لأنّي أرى بأنّ الأغيار ما كانت أغيارا للواحد إلاّ لأنّها ذات أجزاء، لأنّها لو لم تكن ذات أجزاء لكانت الواحد إطلاقا.
أرسطو
حقّا.
بارمنيدس
ولكن إذَا كانت أجزاء فهناك كلّ، هذا الكلّ هو هذه الأجزاء جميعا.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
والكلّ إنّما بالضّرورة هو وحدة، وهي وحدة مؤلّفة من أشياء كثيرة، وأجزءها هي أجزاء؛ وذلك لأنّ كلّ جزء جزء لا يكون جزء لأشياء كثيرة بل لكلٍّ.
أرسطو
وكيف هذا ؟
بارمنيدس
إنّه إذا كان شيء جزء لأشياء كثيرة، هو فرد فيها، فلا محالة ذلك الشّيء سيكون جزء في ذاته، وهذا لخلف، وسيكون جزء لسائر الأشياء، لأنّه جزء لها كلّها. لأنّه لو وُجد جزء لم يكن ذلك الشّيء فيه لَوُجِدَ في سائر الأشياء ولم يوجد في ذلك الجزء، وحينئذ لا يكون الشّيء جزء لجزء جزء تلك الأشياء الكثيرة، وإذا صحّ أنّه ليس بجزء كلّ أجزائها، فلا يكون الشّيء جزء لكثرة من الكثرات. وإذا صحّ أنّ الشّيء ليس بجزء كثرة من الكثرات، فلا وجود للشيّء في واحد منها لا بنحو الجزء أوغيره.
أرسطو
إنّه لضروريّ.
بارمنيدس
فالجزء لا يكون إذن لا جزء كثرة من الأشياء، ولا كلّها، وإنّما جزء لمعنى ما واحد، أي لنوع من الوحدة نطلق عليه اسم الكلّ، وهي وحدة كاملة تكون ناشئة عن المجموع: هذا ما يكون الجزء جزء له.
أرسطو
صدقت كلّ الصّدق.
بارمنيدس
فلو سائر الأشياء كان لها أجزاء، فهي تشارك أيضا في الكلّ والواحد.
أرسطو
بلا ريب.
بارمنيدس
فالأشياء المغايرة للواحد هي إذن بالضّرورة كلّ واحد وتامّ ذو أجزاء.
أرسطو
بالضّرورة.
بارمنيدس
ولنا أن نقول الشّيء نفسه في حقّ كلّ جزء جزء، لأنّه هو أيضا يشارك بالضّرورة في الواحد. إذ لمّا كان كلّ واحد من الأجزاء هو جزء، فعبارة كلّ واحد إنّما تدلّ واضح الدّلالة على شيء هو واحد يمتاز عن البقيّة كلّها ويوجد لذاته، لأنّ كلّ واحد لهو يوجد.
أرسطو
صدقت.
بارمنيدس
وإذا كان كلّ جزء لَيشارك الواحد، فبيّن أنّه هو غير الواحد؛ وإلاّ لما كان لِيشارك الواحد، بل كان يكون هو الواحد نفسه. وأنت تعلم أنّه من المحال على غير الواحد أن يكون هو عين الواحد.
أرسطو
من المحال.
بارمنيدس
ولكن الكلّ والجزء إنّما يشاركان في الواحد لا محالة. فالأوّل هو كلٌّ واحد أجزاءه أجزاء، وكلّ جزء جزء هو جزء واحد في كلٍّ هو جزء فيه.
أرسطو
هذا صحيح.
بارمنيدس
فالأشياء المشاركة في الواحد ما كانت لِتشارك في الواحد لو لم تكن مغايرة له.
أرسطو
بلا شكّ.
بارمنيدس
والأشياء المغايرة للواحد هي كثيرة العدد. إذ لو كانت الأشياء المغايرة للواحد لا واحدا ولا أكثر من واحد لكانت عدما محضا.
أرسطو
لكانت عدما محضا حقّا.
بارمنيدس
وإذ قد بان الآن بأنّ الأشياء المشاركة في الجزء، وفي الكلّ الواحد هي أكثر عددا من الواحد، فإنّه يلزم لزوما ضروريّا بأن تكون هذه الأشياء المشاركة في الواحد ذات عدد لا متناهيا.
أرسطو
وكيف هذا ؟
بارمنيدس
لتنظر للأمر من هذه الحيثيّة. إنّه بيّن أنّ هذه الأشياء حين تأخذ في المشاركة في الواحد، لاتكون بعد واحدا ولا مشاركة فيه.
أرسطو
إنّه بيّن.
بارمنيدس
إنّها حينئذ تكون كثيرة، لأنّ الواحد لا يكون فيها بعد.
أرسطو
إنّها تكون كثيرة قطعا.
بارمنيدس
ألا فانظر، إنّا لو رمنا أن نجرّد بالذّهن أصغر قطعة يمكن أن نتوهّمها، فهذه القطعة إذا لم تكن تشارك بعد في الواحد، فلا محالة هي ستكون كثرة ولا تكون البتّة الوحدة.
أرسطو
لا محالة.
بارمنيدس
إذن، فإذا داومنا النّظر هذا النّظر في ذلك الضّرب من الوجود المغاير للصّورة، فإنّ ما سوف نراه متتابعا، إنّما هو اللاّمتناهي العدد.
أرسطو
بلا مِرية.
بارمنيدس
وأيضا، حينما كلّ جزء جزء، الواحد بعد الآخر، يصير جزء، فحينئذ الأجزاء ستكون محدودة بالإضافة إلى سائر الأجزاء وبالإضافة إلى الكلّ وبالإضافة للأجزاء.
أرسطو
قطعا.
بارمنيدس
فقد بان إذًا أنّ الأشياء غير الواحد، حينما تتّصل بالواحد فإنّها يعرض فيها شيء مغاير يهبها الحدود بالإضافة لبعضها البعض، أمّا في طبيعتها هي فهي لا متناهية في نفسها.
أرسطو
إنّه بيّن.
بارمنيدس
وهكذا فالأشياء المغايرة للواحد، فمن حيث هي أجزاء ومن حيث هي أكلال، فهي لا محدودة و تشارك في الحدّ.
أرسطو
حقّا.
بارمنيدس
وتكون أيضا مشابهة ولا مشابهة لذاتها ولبعضها البعض.
أرسطو
وكيف ذلك ؟
بارمنيدس
إنّه من حيث هي كلّها ذات طبيعة واحدة لامتناهية، فهي إذًا ذات صفة مشتركة.
أرسطو
إي نعم.
بارمنيدس
ومن حيث هي تشارك كلّها في الحدّ، فهي أيضا ذات صفة مشتركة.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
ومن حيث هي معًا محدودة ولا محدودة، فهو يعتورها أوصاف متاضدّة.
أرسطو
إنّه يعتورها.
بارمنيدس
لكنّ الأشياء المتاضدّة إنّما تكون على أقصى غاية ممكنة من اللاّتشابه.
أرسطو
بلا شكّ.
بارمنيدس
فإذن فسائر الأشياء لِمكان الصّفة الأولى والثّانية هي مشابهة لنفسها ولبعضها البعض؛ وللصّفتين معًا، فهي على غاية التّضادّ واللاّمشابهة.
أرسطو
كأنّ الأمر كما قلت.
بارمنيدس
فقد بان إذًا بأنّ سائر الأشياء هي معًا مشابهة ولا مشابهة لنفسها، ولبعضها البعض.
أرسطو
إنّه قد بان.
بارمنيدس
وتلخيص الدّلالة أنّ سائر الأشياء المغايرة للواحد هي هي هي نفسها، وهي مخالفة بعضها البعض، وأنّها متحرّكة وساكنة، وإذ قد بينّا كلّ هذا، فمن اليسير أن نبيّن أنّها أيضا لَموضوع لكلّ الصّفات الأخرى المتضادّة.
أرسطو
لقد صدقت.

الفرض الخامس: إذا كان الواحد موجودا فأيّ الأشياء العدميّة اللاّزمة.
بارمنيدس
XXIII - وبعد أن بينّا هذه المسائل، فلندعها، ولنعاود أخذ الفرض بأنّ الواحد موجود، ولنفحص إن كان يلزم للأشياء الأغيار لوازم هي مغايرة للّتي رأيناها آنفا أو لا يلزم.
أرسطو
لنفحص.
بارمنيدس
فلنعاود إذن أخذ الفرض بأنّ الواحد موجود ولننظر ما يلزم للأشياء المغايرة للواحد.
أرسطو
لننظر.
بارمنيدس
أفلا ترى بأنّ الواحد إنّما يوجد منحازا عن سائر الأشياء، وسائر الأشياء إنّما توجد منحازة عن الواحد ؟
أرسطو
ولِمَ ؟
بارمنيدس
وذلك لأنّه لا يوجد البتّة أمر ثالث هو غير الواحد وغير الأغيار؛ فإذا قلنا الواحد والأغيار، فلقد قلنا لعمري كلّ شيء.
أرسطو
لقد قلنا كلّ شيء بحقّ.
بارمنيدس
فلا شيء يوجد غيرهما حتّى يمكن للواحد والأغيار أن يوجدا معا فيه.
أرسطو
إنّه لا يوجد.
بارمنيدس
فالواحد والأغيار لا يوجدان في مكان واحد.
أرسطو
لكأنّ الأمر كذلك.
بارمنيدس
فهما منفصلان إذًا.
أرسطو
إنّهما منفصلان.
بارمنيدس
ولقد حكمنا بأنّ ما يكون واحدا حقّ الواحديّة فلا أجزاء له.
أرسطو
إنّه لايكون له حقّا.
بارمنيدس
فينتج أن الواحد لا يمكن أن يكون في الأغيار لا بأسره، ولا بأجزائه، إن كان بحقّ هو منفصل عنها ولا أجزاء له.
أرسطو
إنّه لايكون حقّا.
بارمنيدس
فالأغيار لا يمكنها إذًا بوجهٍ المشاركة في الواحد، لأنّها لا يمكن أن تشارك لا في جزء منه ولا في كلّه.
أرسطو
لكأنّ الأمر كذلك.
بارمنيدس
فالأغيار عارية إطلاقا من الواحد، ولا يوجد فيها الواحد بوجهٍ.
أرسطو
إنّه لا يوجد بوجه.
بارمنيدس
فالأغيار إذًا ليست أيضا بالكثيرة. لأنّها لو كانت كثيرة، لكان كلّ واحد منها واحدا من حيثيّة أنّه جزء لكلّ، والحقّ أنّ الأشياء المغايرة للواحد، هي ليست لا واحدة، ولا كثيرة، ولا أكلالا، ولا أجزاء لأنّها لا مشاركة لها في الواحد بوجه من الوجوه.
أرسطو
لقد صدقت.
بارمنيدس
والأشياء المغايرة للواحد هي ليست نفسها، لا اثنين ولا ثلاثة، ولا تضمّ لا اثنين ولا ثلاثة، لأنّها هي عارية تماما من الواحد.
أرسطو
هذا صحيح.
بارمنيدس
إذن فالأغيار نفسها هي لا مشابهة ولا لا مشابهة للواحد، وليس فيها مشابهة ولا لا مشابهة؛ وذلك لأنّه لو كانت هي نفسها مشابهة ولا مشابهة، أو وُجد فيها المشابهة واللاّمشابهة، لساغ لنا أن نقول بأنّ الأشياء المغايرة للواحد موجود فيها صورتان متضادّتان اثنتان.
أرسطو
بلا شكّ.
بارمنيدس
ولكن قد سبق أن رأينا بأنّه من المحال لما لا يشارك في شيء أن يشارك في أمرين اثنين.
أرسطو
إنّه من الحال.
بارمنيدس
فالأغيار إذن ليست مشابهة ولا لا مشابهة، ولا هي معًا مشابهة ولا مشابهة. لأنّه لو كانت مشابهة أو لا مشابهة، لشاركت في واحدة من الصّورتين، ولو كانت موصوفة بالصّفتين معًا، لشاركت في صفتين متضادّتين؛ ولكن قد بان لنا استحالة ذلك.
أرسطو
إنّه قد بان.
بارمنيدس
والأغيار أيضا لا هي هي هي، ولا هي مغايرة، ولا تتحرّك ولا تسكن؛ ولا تنشأ ولا تفنى؛ ولا هي أكبر ولا أصغر ولا مساوية، ولا صفة فيها من تلك الصّفات؛ وذلك لأنّ الأغيار لو كانت قد تقبل واحدة من تلك الصّفات، لشاركت الواحد، والاثنين، والثّلاثة، ولشاركت الفرديّة، والزّوجيّة، وهذه صفات كان قد ظهر استحالة مشاركة الأغيار فيها، لأنّ الأغيار إنّما هي فقيرة كلّ الفقر من الواحد.
أرسطو
إنّه لعين الحقّ.
بارمنيدس
وهكذا فإذا كان الواحد موجودا فهو كُلٌّ، ولا يكون واحدا لا بالإضافة إلى ذاته ولا بالإضافة إلى سائر الأشياء.
أرسطو
إنّه لعين الصّدق.

الفرض السّادس: إذا كان الواحد غير موجود.
بارمنيدس
ذلك ما قد قرّرنا. فلننظر الآن إذا كان الواحد غير موجود فأيّ لوازم قد تلزم ؟
أرسطو
إنّه لا بدّ أن ننظر.
بارمنيدس
إذن فأيّ شيء هذا الفرض: إذا كان الواحد غير موجود، وهل يختلف في شيء عن هذا الفرض: إن كان اللاّواحد غير موجود ؟
أرسطو
نعم إنّه ليختلف.
بارمنيدس
هل هذان الفرضان هما مختلفان فحسب، أم إنّ قولنا إذا كان الواحد غير موجود، وإذا كان اللاّواحد غير موجود لهما قولان متاضدّان إطلاقا.
أرسطو
إنّهما متاضدّان إطلاقا.
بارمنيدس
وحين نقول: إذا كان الواحد غير موجود، أو إذا كان الصّغير غير موجود، أو أيّ أمر آخر، فهو بَيِّنٌ أنّما في كلّ مرّة إنّما نقول في الشيّء الغير موجود بنحو الشّيء المخالف.
أرسطو
إنّه بيّن.
بارمنيدس
و الآن حين نقول: إذا كان الواحد غير موجود، فهو بيّن أنّما نقول في الأمر الغير موجود بنحو الأمر المغاير لسائر الأمور، وأنّا نعلم ما يُراد بهذا القول.
أرسطو
إنّا نعلم.
بارمنيدس
إنّا حين نسمّي الواحد فنضيف إليه إمّا الوجود أو اللاّوجود، فإنّا لَنفهم أوّلا بأنّه لَشيء يمكن أن يُعرف، وبأنّه مغاير لسائر الأشياء. لأنّا حين نقول شيء ما لايوجد، فلا جرم أنّا لَنفهم حقيقته ونفهم بأنّه لمَغاير لسائر الأشياء.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
فلنعد من رَأْسٍ، ولِنر ما قد يلزم إذا كان الواحد لا يوجد. فينبغي أوّلا أن نقرّ له بهذه الصّفة، ألا وهي أنّه لمَوضوع علم. وإلاّ ما كنّا لِنفهم شيئا من قولنا إذا كان الواحد غير موجود ؟
أرسطو
ما كنّا لِنفهم شيئا حقّا.
بارمنيدس
وأنّ سائر الأشياء هي مغايرة له، وإلاّ لمَا كان لِِيمكن أن نقول بأنّ الواحد نفسه هو مغاير لسائر الأشياء.
أرسطو
بلا شكّ.
بارمنيدس
XXIV - فلابدّ إذن من أن نخلع على الواحد معنى المغايرة، بعدما أن قد ثبت له معنى كونه معلوما؛ وذلك أنّه حين يُقال إنّ الواحد مغاير لسائر الأشياء، فإنّما لِيُدلّ به على أنّه هو المغاير، لا الأغيار.
أرسطو
لكأنّ الأمر كما قلت.
بارمنيدس
وأيضا، فالواحد الغير موجود إنّما يشارك في ذلك، في شيء ما، وفي هذا، وفي هؤلاء، وفي سائر المقولات من هذا الضّرب؛ وذلك لأنّ ما كنّا لِنستطيع أن نتكلّم في الواحد، ولا في سائر الأشياء المغايرة للواحد، وما كان لِيكون موصوفا البتّة بإلى ذلك، ومن ذلك، وما كنّا لِنستطيع أن نقول فيه أنّه شيء ما، لو لم يشارك في شيء ما، أو في سائر المقولات المذكورة.
أرسطو
ما كنّا لنستطيع حقّا.
بارمنيدس
فالواحد إذًا إن لم يكن موجودا فلا يمكن أن يكون موجودا، ولكن لا شيء البتّة يمنع من أن يشارك في معان كثيرة، بل إنّه ولأنّه هو واحد هو غير موجود، وليس شيئا غيره، من الاضطرار أن يشارك في تلك المعان. أمّا لو لم يكن الواحد هو الغير الموجود، بل تعلّق الأمر بشيء مغاير، فلا يمكن أن ننبس بنت شفة. أمّا لو كان إنّما هذا الواحد، وليس غيره ما نضعه غير موجود، فلابدّ أن يشارك في الهذيّة، وفي معان أخرى كثيرة.
أرسطو
إنّه لكذلك قطعا.
بارمنيدس
فالواحد إذن هو أيضا لا مشابه لسائر الأشياء؛ وذلك لأنّ سائر الأشياء فلأنّها غير الواحد، فهي من طبيعة أخرى.
أرسطو
إنّها من طبيعة أخرى.
بارمنيدس
فإن كانت من طبيعة أخرى، فهي مختلفة.
أرسطو
إنّها مختلفة بلا شكّ.
بارمنيدس
وأن يكون مختلفا إنّما هو أن يكون لا مشابها.
أرسطو
إنّه لَكذلك حقّا.
بارمنيدس
وإن وُجِدت أشياء لامشابهة للواحد، فلا جرم بأنّ هذه الأشياء اللاّمشابهة إنّما لا مشابهة لشيء هو لا مشابه.
أرسطو
قطعا.
بارمنيدس
فإذن هناك في الواحد أيضا لا مشابهة، بها كانت سائر الأشياء لا مشابهة بالإضافة إليه.
أرسطو
لكأنّ الأمر كما قلت.
بارمنيدس
وإن كان للواحد لا مشابهة بالإضافة لسائر الأشياء، فبالاضطرار هو ذو مشابهة بالإضافة إلى ذاته.
أرسطو
وكيف ؟
بارمنيدس
لأنّه لو كانت هناك لا مشابهة للواحد بالإضافة لذاته، فلن يكون الواحد، ولن يتعلّق فرضنا بالواحد، بل بأمر آخر غير الواحد.
أرسطو
بلا شكّ.
بارمنيدس
وهذا لا يكون.
أرسطو
إنّه لا يكون.
بارمنيدس
فإذن الواحد هو مشابه لذاته اضطرارا.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
والواحد لا يكون أيضا مساويا لسائر الأشياء؛ لأنّه لو كان مساويا لها، لكان بذاك هوهو، ومشابها لها لِمكان نفس المساواة، وذانك أمران محالان إن كان الواحد غير موجود.
أرسطو
إنّه محال.
بارمنيدس
ولمّا كان الواحد غير مساو لسائر الأشياء، فلا جرم أنّ سائر الأشياء هي غير مساوية له أيضا.
أرسطو
لا جرم.
بارمنيدس
وما لا يكون مساويا إنّما يكون لا مساويا.
أرسطو
إنّه يكون لا مساويا.
بارمنيدس
وما يكون لا مساويا إنّما يكون لا مساويا للامساو.
أرسطو
بلا مِرْية.
بارمنيدس
فالواحد إذًا لَيشارك في اللاّمساواة الّتي بها إنّما كان لا مساويا لسائر الأشياء اللاّمساوية له.
أرسطو
إنّه يشارك.
بارمنيدس
ولكن في اللاّمساوة إنّما يوجد الكبر والصّغر.
أرسطو
إنّه يوجد.
بارمنيدس
إذن فهناك أيضا صغر وكبر في هذا الواحد.
أرسطو
يشبه أن يكون كذلك.
بارمنيدس
ولكن الصّغر والكبر إنّما هما متنائيان.
أرسطو
قطعا.
بارمنيدس
فلابدّ إذًا أن يوجد أبدا حدّ أوسط بينهما الاثنين.
أرسطو
إنّه يوجد.
بارمنيدس
وليس هذا الحدّ الأوسط إلاّ المساواة.
أرسطو
إنّها المساواة ليس غير.
بارمنيدس
إذن فحيثما يوجد الكبر والصّغر يوجد أيضا المساواة بينهما.
أرسطو
بلا شكّ.
بارمنيدس
إذن فالواحد الغير موجود، هو يشارك في المساواة، وفي الكبر، وفي الصّغر.
أرسطو
لكأنّ الأمر كما قلت.
بارمنيدس
بل إنّ الواحد لمُضطرّ أيضا لأن يشارك في الوجود بنحو ما.
أرسطو
وكيف هذا ليت شعري ؟
بارمنيدس
إنّ قولنا في الواحد ينبغي أن يكون مطابقا لِما في نفسه. وإلاّ لم نقل قولا صادقا حين نقول بأنّ الواحد غير موجود. ولكن نحن حين نقول صِدقا فإنّا لامحالة إنّما نقول فيما هو موجود.
أرسطو
قطعا.
بارمنيدس
إذن فمتى قلنا صدقا، فإنّا نقول بالضّرورة في أمر موجود.
أرسطو
بالضّرورة.
بارمنيدس
فالواحد إذن هو غير موجود لأنّه لو لم يكن غير موجود، لسرى في لا وجوده الوجود فينقلب موجودا.
أرسطو
بلا شكّ.
بارمنيدس
وعلى هذا فالواحد مادام لا موجودا فلابدّ أن يَلْتَبِسَ به اللاّوجود، أي وجود اللاّوجود، مثلما أنّ ما يوجد لابدّ أن يلتبس به لا وجود اللاّوجود لِيوجد حقّ الوجود، سواء بسواء. فالشّرط الّذي لا بدّ منه حتّى يوجد الموجود تمام الوجود، وحتّى لا يوجد اللاّموجود، إنّما هو أن يشارك الموجود في وجود الوجود الموجود، وفي لا وجود وجود اللاّموجود، وأن يشارك ما لا يوجد في لاوجود الوجود، وفي وجود اللاّوجود حتّى يكون اللاّ موجود هو لاموجودا بحقّ.
أرسطو
إنّ هذا لَحَقّ.
بارمنيدس
فلمّا كان الموجود يشارك في اللاّوجود، واللاّموجود يشارك في الوجود، كذلك الواحد، فمن حيث هو غير موجود، إنّما يشارك اضطرارا في الوجود حتّى لا يوجد.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
وقد بان أنّ الواحد إن هو غير موجود فله الوجود.
أرسطو
قد بان حقّا.
بارمنيدس
وهو لأنّه غير موجود فله اللاّوجود أيضا.
أرسطو
قطعا.
بارمنيدس
فانظر الآن، إنّ أمرا ما إذا كان بحال ما، إن لم ينتقل إلى حال أخرى، فلا يمكنه البتّة ألاّ يكون بتلك الحال الأولى.
أرسطو
إنّه لا يمكن.
بارمنيدس
لذلك فإنّه أبدا إذا شيء ما كان في حال ما ثمّ لم يبقاه، فهو قد تغيّر.
أرسطو
بلا شكّ.
بارمنيدس
ولكنّ التغيّر إنّما هو حركة.
أرسطو
إنّه حركة.
بارمنيدس
ونحن آنفا أَمَا كنّا قد تبينّا بأنّ الواحد هو موجود ولا موجود.
أرسطو
إنّا قد تبنّا.
بارمنيدس
فالواحد قد ظهر إذًا أنّه بحال وأنّه ليس بها.
أرسطو
قد ظهر حقّا.
بارمنيدس
فإذن الواحد اللاّموجود، هو ذو حركة، لأنّه قد ظهر يتغيّر بالتنقّل من الوجود إلى اللاّوجود.
أرسطو
هذا ممكن.
بارمنيدس
ولمّا كان الواحد لا يوجد في مكان من الأمكنة البتّة، لأنّه غير موجود، فلا يوجد في موجود من الموجودات، فالواحد لا يمكنه أن يتغيّر بأن يتنقّل من مكان لآخر.
أرسطو
إنّه لا يمكنه.
بارمنيدس
فالواحد الغير موجود لا حركة له بالتنقّل.
أرسطو
إنّه لاحركة له.
بارمنيدس
ولا يمكنه أيضا أن يدور في مكان واحد، لأنّه لا يمكن أن يلاصق المكان الواحد، فالمكان الواحد هو وجود، واللاّموجود لا يمكن أن يوجد في موجود.
أرسطو
إنّه لا يمكنه حقّا.
بارمنيدس
فالواحد اللاّموجود لا يمكن له أن يدور في شيء لا يكون هو فيه.
أرسطو
إنّه لا يمكن.
بارمنيدس
والواحد أيضا لا يستحيل، لا الواحد الموجود ولا الواحد اللاّموجود؛ لأنّه لو استحال لصار ما يُبْحَثُ فيه ليس هو نفسه بل أمرا آخر.
أرسطو
صدقت.
بارمنيدس
وإذا كان هو لا يستحيل، ولا يدور في مكان واحد، ولا يتنقّل، فهو لايتحرّك إطلاقا.
أرسطو
إنّه لا يتحرّك إطلاقا.
بارمنيدس
ولكن ما لايتحرّك فهو بالضّرورة مطمئنّ، وما يكون مطمئنّا فهو بالضّرورة ساكن.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
فقد بان إذن بأنّ الواحد اللاّموجود هو متحرّك وساكن.
أرسطو
لكأنّ الأمر كذلك.
بارمنيدس
وهو أيضا إذا كان متحرّكا، فلا محالة يستحيل؛ وذلك لأنّه على قدر ما يتحرّك شيء ما، ينأى عن هيئته الأولى، ويتّخذ أخرى.
أرسطو
حقّا.
بارمنيدس
والواحد أيضا إن تحرّك استحال.
أرسطو
نعم استحال.
بارمنيدس
وهو إن لم يتحرّك بوجه، فلا يستحيل بوجه.
أرسطو
لا يستحيل بوجه.
بارمنيدس
إذًا فالواحد الغير موجود، إن تحرّك، استحال، وإن لم يتحرّك، لا يستحيل.
أرسطو
إنّه لا يستحيل.
بارمنيدس
فبان بذلك أنّ الواحد اللاّموجود، قد يستحيل، وقد لا يستحيل.
أرسطو
إنّه قد بان.
بارمنيدس
ولكن ما يستحيل إنّما لامحالة ينقلب غير ما كان أوّلا، ويفنى عن حاله الأولى؛ أمّا ما لايستحيل، فلا يجوز فيه لا الفناء ولا النّشأة.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
إذن فالواحد اللاّموجود، ما استحال، فهو ينشأ ويفنى، وما لم يستحل، فهو لا ينشأ ولا يفنى. وبذلك يَبِينُ بأنّ الواحد اللاّموجود إنّما ينشأ ويفنى، وهو لا ينشأ ولا يفنى.
أرسطو
قد بان حقّا.

الفرض السّابع: إذا كان الواحد غير موجود فلا صفة له من الصّفات.
بارمنيدس
XXV - لِنعد من رأس مرّة أخرى، لنر ما يكون من الأمر بحقّ.
أرسطو
لنعد.
بارمنيدس
إنّا نقول إذا كان الواحد لا يوجد فأيّ شيء قد يلزم يخصّ الواحد ؟
أرسطو
إنّا نقول.
بارمنيدس
إنّا حين ننطق بهذه العبارة لا يوجد، فإنّما لِندلّ بها على ارتفاع الوجود عن الّذي قد قيل فيه أنّه لا يوجد.
أرسطو
إي نعم.
بارمنيدس
ونحن حين نقول عن شيء ما لا يوجد، فليس لِنَدُلَّ على أنّ ذلك الشّيء لا يوجد بهذا النّحو، بل يوجد بنحو آخر، بل إنّا حين نقول عنه هو لا يوجد فلندلّ على أنّ هذا الّذي لا يوجد هو لا يوجد إطلاقا، وأن ليس له مشاركة في الوجود بأيّ نوع من الأنواع أو نحو من الأنحاء.
أرسطو
إنّه ليدلّ على أنّه لا يوجد إطلاقا.
بارمنيدس
فما لا يوجد لا يمكنه إذًا، أن يوجد ولا أن يشارك بنوع من الأنواع في الوجود.
أرسطو
إنّه لا يمكنه حقّا.
بارمنيدس
وأن ينشأ إنّما معناه أن ينال الوجود، ليس غير، وأن يفنى إنّما معناه أن يفقد الوجود، ليس غير.
أرسطو
ليس غير.
بارمنيدس
ولكن ما لايشارك في الوجود بأيّ نوع، ليس يصحّ فيه أن ينال الوجود ولا أن يفقده.
أرسطو
ليس يصحّ فيه حقّا.
بارمنيدس
وعلى هذا فالواحد لمّا كان لا يشارك في الوجود بأيّ نوع، فهو لا يمكنه أن يملك الوجود، ولا أن يناله ولا أن يفقده.
أرسطو
إنّه الصّدق.
بارمنيدس
إذن فالواحد اللاّموجود لا يفنى ولا ينشأ، لأنّه لا يشارك بأيّ نوع في الوجود.
أرسطو
بلا نزاع.
بارمنيدس
وهو أيضا لا يستحيل بأيّ نوع؛ لأنّه لو استحال، لصحّ فيه أن ينشأ وأن يفنى.
أرسطو
لصحّ فيه حقّا.
بارمنيدس
وإن صحّ أنّه لا يستحيل، فهو لا يتحرّك لا محالة.
أرسطو
لا محالة.
بارمنيدس
وإنّه يجوز لنا أيضا القول بأنّ ما لا يوجد في مكان البتّة، فهو ليس بساكن؛ لأنّ السّاكن ما يكون أبدا في مكان واحد.
أرسطو
في مكان واحد بلا شكّ.
بارمنيدس
لنعاود القول إذن بأنّه ما لا يوجد لا يكون أبدا لا في سكون ولا حركة.
أرسطو
إنّه لا يكونهما إطلاقا.
بارمنيدس
وهو فقير تماما ممّا هو موجود، لأنّه لو شارك فيه، لشارك في الوجود.
أرسطو
إنّه لايشارك قطعا.
بارمنيدس
فالواحد اللاّموجود إذن ليس له كبر ولا صغر ولا مساواة.
أرسطو
إنّه ليس له.
بارمنيدس
وليس له أيضا مشابهة ولا مخالفة، لابالإضافة إلى ذاته ولا بالإضافة إلى سائر الأشياء.
أرسطو
إنّه ليس له قطعا.
بارمنيدس
وانظر إن كان سائر الأشياء قد تكون ذات أمر من الأمور بالإضافة إليه.
أرسطو
إنّها لا أمر لها البتّة بالإضافة إليه.
بارمنيدس
فسائر الأشياء إذن هي غير مشابهة له، ولا لا مشابهة، ولا هي هي، ولا مخالفة له.
أرسطو
إنّها لكذلك.
بارمنيدس
ألا فانظر، إنّ ألفاظا كهذه: من ذلك، و إلى ذلك، وشيئا ما، و هذا، و من هذا، و من غير، و إلى غير، و ذات مرّة، و بعدها، و الآن، و العلم والظنّ، والحسّ، والحدّ، والاسم، أو أيّ شيء آخر موجود، أكان من الممكن أن تُطْلق على شيء هو غير موجود ؟
أرسطو
إنّه لا يمكن.
بارمنيدس
فبان إذن أنّ الواحد الغير موجود لا وجود له بضرب من الضّروب.
أرسطو
قد بان حقّا.


الفرض الثّامن: إذا كان الواحد غير موجود، فأيّ شيء قد يلزم لسائر الأشياء ؟
بارمنيدس
-XXVI ولننظر أيضا فيما يكون حال سائر الأشياء إذا كان الواحد غير موجود.
أرسطو
لننظر.
بارمنيدس
إنّ سائر الأشياء لا بدّ أن تكون أغيارا، لأنّها لو لم تكن أغيارا لما جاز أن نقول فيها سائر الأشياء.
أرسطو
لما جاز حقّا.
بارمنيدس
وسائر الأشياء إنّما هي سائر الأشياء لأنّها مخالفة، فعبارتا المخالف والمغاير إنّما يصدقان على موضوع واحد.
أرسطو
إنّهما يصدقان على موضوع واحد.
بارمنيدس
والمخالف إنّما هو مخالف لِشيء مخالف، والغير إنّما هو غير لشيء مغاير.
أرسطو
إنّهما لكذلك.
بارمنيدس
فهناك إذًا لِسائر الأشياء ما صحّت كونها أغيارا، شيء ما بالإضافة إليه هي أغيار.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
وأيّ شيء عسى أن يكون هذا ؟ إنّه لا يمكن أن تكون بالإضافة إلى الواحد هي أغيارا، لأنّ الواحد غير موجود.
أرسطو
إنّه لا يمكن.
بارمنيدس
إذًا فبالإضافة لبعضها البعض إنّما تكون أغيارا؛ لأنّه ما بقي إلاّ ذلك، وإلاّ فإنّها لن تكون أغيار شيء من الأشياء.
أرسطو
لقد صدقت.
بارمنيدس
فهي إذن إنّما تكون أغيارا لبعضها البعض في فئات كَثْرِيِّةٍ؛ لأنّها لايمكن أن تكونه في وحدات، والواحد غير موجود. بل يشبه أن يكون كلّ جرم جرم منها هو لا متناهي في العدد، وحينما نتوهّم أنّا قد أخذنا أصغر جزء فيها، فما يلبث أن ينقلب، كأنّا في حلم، هذا الجزء الواحد مِن واحد، لِيظهر على أنّه كثير، ومِن كونه صغيرا ليظهر كبيرا، وأنّه مكوّن من أجزاء أخرى.
أرسطو
لقد قلت حقّا.
بارمنيدس
إذن فسائر الأشياء إنّما ستكون أغيارا لبعضها البعض وهي أجرام بهذه الطّبيعة، إذَا كانت هي أغيارا ولم يكن الواحد موجودا.
أرسطو
قطعا.
بارمنيدس
فسيكون إذن هناك كثرة من الأجرام، آحادها تظهر على أنّها واحدة، وهي في نفسها ليست واحدة لأنّ الواحد غير موجود.
أرسطو
قطعا.
بارمنيدس
وستكون في ظاهرها عددا، لأنّ كلّ منها في ظاهره هو واحد، وهي كثرة.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
وبعضها سوف يكون في ظاهره زوجا، وبعضها سيكون في ظاهره فرد، ولكن الأغيار لايكون فيها هذا حقيقة، لأنّ الواحد هو غير موجود.
أرسطو
إي نعم.
بارمنيدس
وأيضا سيكون في ظاهرها أنّها تنطوي على أصغر كمّ؛ ولكن هذا الكمّ سوف يظهر أكبر إذ قِيس إلى الأجزاء الكثيرة المكوّنة له.
أرسطو
بلا مرية.
بارمنيدس
وأيضا فكلّ جرم سوف يُقْضَى فيه على أنّه مساو لأجزائه الصّغيرة الكثيرة، وذلك لأنّه لا يمكن أن يظهر على أنّه ينتقل من الأكبر إلى الأصغر، دون أن يظهر بأنّه قد وافى الوسط، فيظهر على أنّه مساو.
أرسطو
لكأنّ الأمر كذلك.
بارمنيدس
والجرم سيظهر أيضا على أنّه محدود بالإضافة إلى جرم آخر، وبالإضافة إلى ذاته، وهو في حقيقته ليس له لا مبدأ، ولا نهاية ولا وسط.
أرسطو
وكيف هذا ؟
بارمنيدس
لأنّه إذا نظرنا في جزء من أجزاء تلكم الأجرام على أنّه واحد من هذه المعاني الثّلاثة، فسيبرز لنا أبدا قبل المبدأ مبدأ آخر، وبعد النّهاية نهاية أخرى، وفي الوسط، شيء آخر أكثر وسطيّة وأدقّ منه، لأنّه هو ممنوع أن يكون لتلك الأجرام حدود بالفعل، والواحد غير موجود.
أرسطو
إنّه ممنوع حقّا.
بارمنيدس
فهذه الأجرام إذا نُظِر إليها من بعيد نظرا باهتا، فإنّها لا محالة ستظهر واحدة؛ أمّا إذا نُظر إليها من قريب وبنظر حادّ، فإنّها ستبين على أنّها لا متناهية في العدد، لأنّها فقيرة من الواحد الغير موجود.
أرسطو
هذا صحيح لا محالة.
بارمنيدس
ولِذلك فسائر الأشياء كلّها إنّما تظهر لا متناهية، ومتناهية، وواحدة وكثيرة، إذا كان الواحد غير موجود، والأشياء المغاير ة للواحد هي موجودة.
أرسطو
إنّها تظهر حقّا.
بارمنيدس
وهي ستظهر أيضا مشابهة ولا مشابهة.
أرسطو
وكيف هذا ؟
بارمنيدس
لنأخذ هذا المثال: وهو لوحة فيها رسوم، فأنت إذا نظرت إليها من بعيد، فسترى كلّ شيء فيها واحد، وذات صورة واحدة ومتشابهة.
أرسطو
بحقّ.
بارمنيدس
وإن اقتربت منها، فسيظهر كلّ شيء كثيرا، ومختلفا، ومغايرا ولا متشابها.
أرسطو
ذلك ما يكون حقّا.
بارمنيدس
فالأجرام إذًا إنّما تظهر لا محالة مشابهة ولا مشابهة لِذاتها، وبعضها يظهر مشابها ولا مشابها لبعضه.
أرسطو
اضطرارا.
بارمنيدس
وهي أيضا لَتظهر هي هي وأغيارا لبعضها البعض، وملاصقة ومنفصلة عن بعضها البعض، ومتحرّكة كلّ أنواع الحركة، وساكنة إطلاقا، وتظهر بأنّه لَتنشأ وتفنى، وأنّها لا تنشأ ولا تفنى، وهي موضوع لِكلّ أنوع المتقابلات الّتي قد نحصيها الآن، لأنّ الواحد غير موجود، والكثرة موجودة.
أرسطو
إنّك صدقت.

الفرض التّاسع: إذا كان الواحد غير موجود، فأيّ الأمور العدميّة الّتي تلزم للأغيار.
بارمنيدس
لنرجع من رأس، ولنسأل: إذا كان الواحد غير موجود، وسائر الأشياء موجودة، فأيّ شيء قد يلزم ؟
أرسطو
لننظر.
بارمنيدس
حينئذ فسائر الأشياء لا تكون واحدة البتّة ؟
أرسطو
إنّها لا تكون واحدة البتّة.
بارمنيدس
ولن تكون كثيرة أيضا؛ لأنّها لو كانت كثيرة، فسيكون الواحد فيها، ولمّا كان لا شيء فيها واحدا، فالجميع لا شيء، وإذن لا يوجد الكثرة.
أرسطو
بحقّ.
بارمنيدس
وهو إذَا لم يكن هناك الواحد في سائر الأشياء، فسائر الأشياء لا تكون لا كثيرة ولا واحدة.
أرسطو
إي نعم.
بارمنيدس
ولن تظهر لا كثيرة ولا واحدة.
أرسطو
ولِمَ ؟
بارمنيدس
وذلك لأنّ سائر الأشياء لا نسبة لها البتّة بما لا يوجد، وما لايوجد لا يوجد في شيء من الأغيار؛ فالشّيء الّذي لا يوجد لا أجزاء له.
أرسطو
إنّه الصّدق.
بارمنيدس
إذًا فلا يوجد لِسائر الأشياء لا ظنّ ولا ظاهر ما لا يوجد، وما لا يوجد البتّة لا يمكن أن يَتَصَوَّره البتّة الغير.
أرسطو
إنّه لا يمكن.
بارمنيدس
فالواحد إذَا لم يكون موجودا، فلا شيء من سائر الأشياء يمكن تصوّره لا بنحو الواحد، ولا بنحو الكثير؛ وذلك لأنّه من المحال تصوّر الكثير من غير الواحد.
أرسطو
إنّ ذلك لمستحيل حقّا.
بارمنيدس
إذن إذا كان الواحد غير موجود، فسائر الأشياء لا تُتَصَوَّرُ لا بنحو الواحد ولا بنحو الكثرة، ولا هي في نفسها كذلك.
أرسطو
لكأنّ الأمر كذلك.
بارمنيدس
وسائر الأشياء لا يمكن أيضا أن تُتَصَوَّر لا بنحو المشابه ولا بنحو اللاّمشابه.
أرسطو
لا يمكن أيضا.
بارمنيدس
ولا يمكن أن تُتَصوّر كذلك لا بنحو الهوهو، ولا بنحوالمخالف، ولا بنحو المتلاصق، ولا بنحو المنفصل، ولن تكون فيها صفة من الصّفات الّتي أحصيناها آنفا وكانت قد ظهرت لنا أنها موجودة فيها: إنّ سائر الأشياء ليس فيها شيء من تلك الأشياء ولا تظهر فيها أيّ صفة منها، إذا كان الواحد غير موجود.
أرسطو
إنّ هذا لهو الصّدق.
بارمنيدس
لذلك فلو رمنا التّلخيص، فلا نخطئ إن قلنا بأنّه إذا كان الواحد غير موجود، فلا شيء قد يوجد.
أرسطو
إطلاقا.
بارمنيدس
فلنُجْمِلْ إذًا، ولنضف أنّ الواحد وُجد أم لم يوجد، فالواحد وسائر الأشياء إمّا بالإضافة لأنفسهما، أو أحدهما بالإضافة للآخر، فإنّه تصحّ فيهما كلّ الّصفات، ولا تصحّ، ويظهر أنّه تصحّ فيهما كلّ الصّفات ولا يظهر.
أرسطو
إنّه الحقّ التّام.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://saidaphilo.forumalgerie.net
 
محاورة مينون الجزء لثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» محاورة مينون الجزء الأول
» محاورة مينون الجزء الثاني
» مجلة تحالف الحضارات الجزء الاول
» تاريخ الفلسفة ايميل بريهيه الجزء الرابع
» تاريخ الفلسفة ايميل بريهيه الجزء الخامس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قسم العلوم الاجتماعية سعيدة  :: مقاييس الفلسفة :: فلسفة يونانية-
انتقل الى: