منتديات قسم العلوم الاجتماعية سعيدة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الفلسفة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 فلسفة غربية هل هي ممكنة؟ د .عمارة الناصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 54
تاريخ التسجيل : 03/07/2012

فلسفة غربية هل هي  ممكنة؟   د .عمارة الناصر  Empty
مُساهمةموضوع: فلسفة غربية هل هي ممكنة؟ د .عمارة الناصر    فلسفة غربية هل هي  ممكنة؟   د .عمارة الناصر  I_icon_minitimeالخميس مايو 23, 2013 7:16 am

فلسفة عربية: هل هي ممكنة؟


"لأن الخلق ما كُلّفوا الصواب عند الله، فإن ذلك غير مقدور، ولا تكليف بما لا يطاق، بل كُلّفوا ما يظنونه صوابا، كما لم يُكلفوا بثوب طاهر، بل بثوب يظنونه طاهرا..."، الغزالي، القسطاس المستقيم.


تعتبر عبارة كانط الشهيرة: "لا يمكن أن نتعلم أية فلسفة، إذ أين هي؟ ومن يملكها؟ وكيف نتعرف إليها؟ ولا يمكننا سوى تعلم أن نتفلسف" ، منعطفا كبيرا في مسار تعرف الفلسفة على ذاتها، إذ فيها تأكيد على أن ما يمكن تعلمه هو فعل التفلسف أما حالة الانتماء إلى الفلسفة، التلوّن باللون الخاص بهوية الفلسفة وحياتها الداخلية، فمستحيل تعلم ذلك إلا إذا اندرج ذلك ضمن صيرورة تاريخية، أي إلا إذا انفتحت في الزمن لحظة تشكل انتماء Affiliation عقلاني وجوهري للفلسفة كخطاب كوني، فالانتماء، هنا، هو خاصية غير قابلة للتعلم. فإذا كان هذا هو حال الفلسفة، فما السبيل الى تحيّن عربي للحظة "الانتماء" الفلسفي؟
إن الحديث عن لحظة عربية للفلسفة يفتح الطريق أمام رؤى متناقضة لهذه اللحظة وكيفية تمثّلها والسياق الذي تنخرط فيه ومشروعية ذلك من الأساس، إذ لا يجب أن يجرفنا التيار الذي يعبر عن قوة الفلسفة وجاذبيتها المتولدة من الأصل اليوناني الفاعل تاريخيا والصادم لخصوصيات الشعوب العرقية واللغوية والتي لا تعتبر شريكا حقيقيا في صناعة الدرس الفلسفي، فالتفكير حول "فلسفة عربية" هو تفكير ضد التاريخ بوصفه تاريخا للفلسفة ومن ثمة فإنه من الصعوبة بمكان أن يصادف الفكر العربي اللحظة التاريخية التي تدرجه ضمن دائرة "الانتماء" إلى "الفلسفة"، وسنجعل هذه الفرضية محل اختبار:
1- هل "نحن" بحاجة إلى "الفلسفة"؟
يبدو أن عملية "الغلق" La clôture التي تمارسها الفلسفة على المشتغلين بها، تمنع من انفلات التفكير من قبضة الداخل الفلسفي، بل إنها لا تطرح نفسها كضرورة فقط بل كقدر محتوم وليس هذا بسبب قوة الإقناع التي تحملها الصناعة الذاتية للخطاب الفلسفي فقط، بل لأن الاقتراب من الدائرة الفلسفية يجعل من فعل التفلسف قدَرا وشرطا تاريخيا، فإذا فكرنا خارج الدائرة المغلقة للفلسفة فإننا نكون في مواجهة السؤال: هل نحن بحاجة إلى الفلسفة؟ وما المعيار الذي يحدد هذه الحاجة؟ فإن لم تكن الفلسفة قدَرا تاريخيا فإن التفكير خارجها يبقى أمرا ممكنا ضمن الشروط التي تولدها الصيرورة التاريخية للفكر الإنساني.
إن هذا السؤال الاستكشافي الموجه يدفعنا إلى تحديد وضعنا الفلسفي من خلال تحليل المعطيات الأنتروبولوجية والإثنية والثقافية التي تسمح بالانخراط في التاريخ الفلسفي كحالة "انتماء" حقيقية وليس مجرد تلوّن شكلي باللغة الفلسفية، ومنه يواجهنا سؤال صادم: هل العرب عرق فلسفي؟ فإذا افترضنا أن الفلسفة هي معطى عرقي كذلك، حيث أن هناك تناسب بين حركة الأعراق وحركة التاريخ، مما يسمح لنا بفهم لماذا لم تتحول الحكمة الصينية أو الفكر الهندي إلى فلسفة بالمعنى التقليدي لكلمة فلسفة.
إن هذا الطرح لا ينبني على رؤية عنصرية ولكنه ينطلق من تمثل المعطيات الأنتروبولوجية التي تشكل ضمن سياق تاريخي وحضاري له عوامله الفكرية المؤثرة (كحركة الترجمة، الفنون، أنظمة التعليم، الوعي التاريخي ذي الطابع المعرفي...)، وفي هذا المعنى كان ابن خلدون يتحدث عن صعوبة تحول العرب إلى العمران البشري.
2- من هو الفيلسوف؟
إن الفلسفة ليست إلا الفيلسوف نفسه، وسنعتبر هذا التصور بمثابة القاعدة الأنطولوجية لتحقيق "رابطة الانتماء" في الفعل الفلسفي، فالفلسفة ليست مثل العلم، إنها لا تتحول خطاب بلا هوية أو إلى شيء قابل للتملك بمجرد الاشتغال به، إنها تظل تحتفظ بهويتها الداخلية حتى مع تحوّلها إلى خطاب كوني، فالروح الذاتية التي تتلبس بلغتها تظل حية في الفهم والقراءة والتأويل، بل إن قوتها في ذاتيتها، ذلك أن الحياة الأولية لتشكل الخطاب الفلسفي تقوم في تأمل داخلي للفيلسوف غير قابل للتعلم ولا للتعليم لأنه يستند إلى أساس أنطولوجي أكثر من استناده إلى معيار ابستمولوجي، وهذا ما يفسر مبدئيا كيف أن كل الأنظمة التعليمية المتقدمة للغرب لا تخرّج إلا قلة من الفلاسفة ولا يكاد بعضهم يتكرر تاريخيا (كما هو الحال بالنسبة إلى المدرسة الفرنسية).
تتأسس هذه الرؤية على قاعدة التمييز بين الفلسفة كماهية والفلسفة كوظيفة، وعليه فإن الفيلسوف كائن أنطولوجي، يقول الوجود من خلاله وعلى لسانه أشياءه، إنه ظاهرة عقلانية يتجلى فيها التاريخ كخطاب، ومنه أمكننا اعتبار الفيلسوف "شاهدا تاريخيا" Témoin historique " بوصف الفلسفة نفسها "شهادة" وطابع المسؤولية فيها هو جزء من ماهيتها وجوهرها.
يُبنى الفيلسوف تاريخيا ويظهر أنطولوجيا ويشتغل على أفكاره إبستيمولوجيا، وهنا يمكن أن نفسر الفرق بين فيلسوفين الأول تشكل عصاميا (نيتشه) والآخر أكاديميا (هيدغر)، إذ نعتبر نيتشه شاهدا تاريخيا نموذجيا كما نعتبر هيدغر ناطقا مثاليا للوجود.
تجتمع في الفيلسوف أسرار (بالمعنى المعرفي وليس الميتافيزيقي) ليس في المقدور تعليمها ومن ثمة هي مَلكة متشكلة تاريخيا، كما ليس في الإمكان محاكاتها لأن المحاكاة تعمل ضد التاريخ، وهذه الأسرار ثلاثة:
- سرٌ أنطولوجي: هو عالم الوجود الذي يستند إليه الفيلسوف لإنشاء المفاهيم من الأصل وهو العالم الذي يبقى محافظا على غموضه والتباسه واختفائه ويمكن توليد هذا الوجود أسطوريا أو تيولوجيا أو علميا..(أفلاطون، هيدغر..).
- سرٌ تأملي: وهو سرٌ مودع داخل مادة التفكير الخاصة بالفيلسوف أي في جوهر المكان الذي يتحرك فيه التفكير وهو عالم الذات الذي تكوّن تاريخيا وتفاعل فيه حوار داخلي يعيد هندسة هذا العالم بما يسمح بفتحه على أبعاد منصهرة في اللغة.
- سرٌ معرفي: وهو سرٌ مودع داخل الخطاب. أي السر الكامن في مَلكة الجمع بين التأمل الفلسفي واللغة الحاملة للخطاب أي في القدرة على تحويل عالم الوجود عبر ممر التأمل إلى خطاب له قابلية "الانتماء" إلى "الفلسفة".
ومنه فإن شروط تكوّن فلسفة عربية يمرّ عبر شروط تكوّن الفيلسوف بوصفه ظاهرة تاريخية لها المحددات الأنطولوجية والإبستمولوجية التي تتجاوز أنموذج التعليم إلى مسار عقلاني يظهر فيه الفيلسوف كطفرة خطاببية.
3- نقاط العجز تشييد فلسفة عربية:
إن فكرة تشييد فلسفة عربية ليست خاضعة لمسألة الإرادة أو القرار، إنها تتولد بذاتها عندما تستجمع شروط قيامها، ويمكن تحديد أربع نقاط عجز عن تشييد فلسفة عربية بالمعنى الكوني لمفهوم "الفلسفة":
أ‌- العجز عن التجذير: Déficit de radicalité
يتميز خطاب الفيلسوف عن خطاب المشتغل بالفلسفة بأنه "جذري" أي أنه يعود إلى تعيينات أصلية للوجود في تحليل القضايا، ولذلك يُظهر تاريخ الفلسفة قوة ممارسة فعل التجذير في تأثير الفلاسفة (أرسطو، نيتشه، هيدغر مثلا)، ويستمد التجذير صلابته من خارج الفلسفة ومن اللافلسفة، أي من الخطابات المجاورة من التيولوجيا، العلم، الأسطورة، الفن..، وهي براديغمات لصناعة الجذر الفلسفي حيث تتلبس الفلسفة على مثالاتها ويتم الدفع بالقضايا الفلسفية إلى داخلها معطية لها القدرة على الحجاج بذاتها.
وعندئذ أمكننا التساؤل: ما الجذور الخطابية التي يمكن أن تؤسس لفلسفة عربية؟ وحيث أن اللغة هي حاملة التجذير الفلسفي، فهل للغة العربية القدرة على التفلسف؟ إذ تختلف اللغات في قدرتها على استيعاب الحمولة الفلسفية والشحنة التجذيرية لها، ويظهر ذلك في الفرق بين اللغتين الفرنسية والألمانية مثلا أي في قدرتهما حمل الخطاب الفلسفي.
لقد قال دريدا مفككا هذا الموقف: "إن هذا الإرث المبهم من النصوص الفلسفية الذي لا يمكن استنزافه والذي أسميه "مستقبلها" يتجلى في النصوص اليونانية والألمانية أكثر من الفلسفة الفرنسية، ومع احترامي العظيم لكبار المفكرين الفرنسيين، إلا أنني أحمل دائما تصورا بأن نوعا معينا من التحليل الصارم يمكن له أن يذيب نصوصهم مما يجعلها عادية وسريعة الاستنزاف. على النقيض تماما نصوص أفلاطون وهايدجر التي اشعر حيالها أنني في مواجهة الهاوية، حفرة دون قعر يمكن أن أضيع فيها" ، إن هذه الحفرة هي ما ندعوه ب "التجذير" بالضبط، وهي خاصية ليست متاحة لكل اللغات، لأن الأمر يتعلق بالقرب الروحي من الفلسفة اليونانية.
وبناء على ذلك، هل تحمل اللغة العربية فاعلية تجذيرية للفعل الفلسفي؟ وهو سؤال مشروع من زاوية أننا لم نتمكن من إيجاد مقابلات عربية لمفاهيم فلسفية في لغات أخرى مما استدعى الحفاظ على لفظها الأجنبي مكتوبا بالحرف العربي، فما بالك بصناعة المفاهيم من الأصل أم أنه يمكن التفكير بدون مفاهيم؟ وتلك مسألة أخرى.
إن الحديث عن اللغة العربية كلغة ممكنة للفلسفة يعني بالأساس التاريخ الذي تشكل داخلها وليس فقط مجرد القواعد والبنيات التي تحكمها، ومنه فهي لغة لم تتغير منذ قرون لأنها لم تحمل أي حدث يمكنه أن يحوّل وجهة التفكير بشكل يجعلنا نشعر أننا دخلنا أزمنة جديدة، والأزمنة الجديدة هنا تعني من بين ما تعني أن اللغة لا تعيش لنفسها وإنما لعالم تعيد تشكيله عقلانيا.
لا يملك الفكر العربي خارجاً أي لا يملك خطابا مجاورا يجعله قاعدته الخلفية التي ينطلق منا لبناء التصورات الممكنة في الخطاب الفلسفي، فليس ثمة "فن" فيه إمكانات تجلّي الذات العربية بكل أبعادها، وليس ثمة رمزية مؤسسة (إذا استثنينا نصوص التصوف الذي استنفذت فعاليتها في أحاديتها أي في بعدها الواحد).


ب‌- العجز عن الكليانية: Déficit d’universalité
يعلّمنا الدرس الفلسفي اليوناني أن القدرة على رفع القيّم والمعاني إلى مستوى الكلي هي ملَكة فلسفية، كأن ترتفع القيم الاجتماعية وإلى مستوى كليات العقل في صورة مبادئ العقل المنطقية، أو ترتفع الرموز الأنتروبولوجية عبر مخيال اجتماعي إلى مستوى أسطوري أو ديني، أو ترتفع لغة طبيعية عادية عبر مفهمة خاصة إلى فلسفة، ويعني فعل الكليانية (Universalisation) القدرة على جعل فهم جزئي فهما كونيا بتضمينه أبعادا منطقية أو جمالية أو وجودية أو أنتروبولوجية.. تلك الأبعاد التي يمكن تقاسمها ضمن فهم مشترك لكينونة الكائن، وفي هذه اللحظة الإبستيمية نطرح السؤال: ما القيم العربية التي يمكن جعلها قيما كونية من خلال خطاب فللسفي عربي؟ والمقصود من القيم العربية ليست تلك القيم المعطاة في حدود الدين والتاريخ والمجتمع، بل القيم التي ينشئها العقل والقادرة على تجاوز تل الحدود لتصبح مقبولة لدى الإنسان في كليته، كأن تصبح أخلاق الواجب لدى كانط قاعدة عقلانية كونية لكل الأخلاق.
إن اللحظة الكليانية لخطاب فلسفي ما تحدث عندما يتطابق العقل مع التاريخ أي عندما تصبح قاعدة عقلانية ما قادرة على أن تنتج حدثا تاريخيا أو تغيره مهما كانت طبيعة المعطيات التي يقوم عليها هذا الحدث، وهو المعيار الذي يمكن أن يحكم على خطاب فلسفي عربي بالعجز عن الكليانية.
ماذا يوجد لدينا لنقدّمه للعالم؟ سؤال صادم ولنه أيضا سؤال يعيد توجيه فكرنا نحو جهة عقلانية غير مكشوفة للغة وللخطاب، أي نحو سؤال: بما نخاطب العالم؟ ومنه فإن هذا الطرح ينسحب على اللغة العربية بوصفها حاملا (Support) للخطاب، عن قدرة هذه اللغة على حمل ونقل خطاب كلياني ليصبح مؤهلا لأن يكون "فلسفة"، فإذا كانت اللغة العربية غير قادرة على إيجاد المرادفات والمعادلات لمفاهيم فلسفية في لغات أخرى وتكتفي بمقابلتها بالأحرف العربية كأن تضع كلمة هرمينوطيقا مقابل اللفظ الأجنبي (Herméneutique)، فكيف يمكنها إنشاء مفاهيم من الأصل؟ إن لحظة العجز التي نتحدث عنها تنشأ في اللغة كوقائع تشكلت داخل قوالب تعبيرية ثابتة ومتصلبة وجزئية إلى درجة أن العرب أنفسهم بدأوا يفقدون جزءا كبيرا من اللغة التي تشكل ذاكرتهم الخطابية.
إن عجز اللغة عن تحويل القيم والمعاني إلى حالتها الكونية يعود أيضا إلى البنية المنطقية التي تتأسس عليها أنظمة الدلالة والإحالة والترميز للغة، والتي هي في الأصل أنظمة اجتماعية وثقافية، وهنا تختلف اللغات في القدرة على فتح أفق دلالي أكثر تعاليا وشمولية، فإذا كان "معنى أن نحيل هو أن نضع في علاقة" بحسب تعبير هيدغر، فهذا يعني أن وضعنا الفلسفي يتحدد داخل العلاقات التي تبنيها لغتنا عندما تحيل إلى شيء ما، تحيل إلى قريب أم بعيد إلى جزئي أم كلي، وهذه هي بالضبط العملية المتضمنة في صناعة المفهوم بوصفه وحدة لغوية للكليانية، ولأن رؤيتنا للعالم تضيق تاريخيا بفعل العلاقات الهشة التي أنشأناها داخل نظام الإحالة في اللغة، فإن التصورات التي نتمثّلها ترتدّ إلى عالم صغير يتراجع إلى العدمية، إذ إن القيم لا تعيش إلا في كونها الكلياني.
ج‌- العجز عن التمفصل: Déficit d’articularité
لكل خطاب حياته الداخلية، وحياة الخطاب الفلسفي يستمدها من تغذّيه على خطابات أخرى مجاورة له، فيأخذ قدرته على التمثل والتخيل من الفن والأسطورة وقدرته على البناء القيمي والأنطولوجي من التيولوجيا والدين عموما، وقدرته على التأسيس المنهجي والإبستيمي من العلم، ويظهر تأثير هذا التمفصل الخطابي واضحا في بنية الأنساق والخطابات المجاورة، فقد بنى هيدغر فلسفته الأنطولوجية على أنموذج الفن وبنى فوكو فلسفته الإبستيمية على أنموذج العلم، وبنى ريكور فلسفته التأويلية على أنموذج التيولوجيا، والقدرة على التمفصل هي خاصية فلسفية، إذ من خلالها يمكن للفلسفة أن تحيا وتجدد خطابها الداخلي وأن تهندس عالمها وفق أنموذج يعيش في بيئة مجاورة.
أما حياة الخطاب "الفلسفي" العربي فهي حياة معزولة عمّا جاورها من خطابات، حياة تعكس فردانية Singularité التفكير وهو ما يمثل عجزا عن الجمع بين خطابات مختلفة في بؤرة تفكير واحدة، فالفلسفة جنس من التفكير لا يبني نفسه بنفسه ولا يكفي نفسه بنفسه، فالروافد الخطابية، إذن، هي من ضرورات التفكير، فما الجوار الذي يحيط بفلسفة عربية ممكنة؟ وإن ظهرت كتابات فلسفية عربية فهي لا تتمفصل مع أي خطاب وتعتقد أن تفلسفها يكمن في فردانيتها وفي توليد الفلسفي من الفلسفي وهذا يعبر عن عجز داخلي للخطاب، وفي الفكر العربي يصعب التمفصل حيث يستوجب أن تكون الخطابات المتجاورة من إنجاز عقل واحد أي أن تكون متقاطعة إبستيميا في ذات واحدة، أي أن مَن لا ينجز علما لا ينجز فلسفة، من لا يبدع فنا لا يبدع فلسفة.
إن الفلسفة، في جزء من بنيتها، هي القدرة على التمفصل الخطابي وإخفاء التمفصل نفسه عن القارئ النوعي أي الباحث عن الهيكل المعرفي الذي تبنى عليه فلسفة ما، ومنه فإن فردانية الكتابة الفلسفية العربية تعني انكشافها الكلي لدى القارئ وعدم قدرتها على الصمود أمام قراءة مباشرة لأنها مبنية على أساس وحيد هو الفلسفة كخطاب مكتمل.
د- العجز عن التخييل: Déficit d’imagination
يقوم الخطاب الفلسفي على مؤسسة رمزية يبني داخلها عوالم تخييلية هي إمكانات للحقيقة، حيث لم تعد الحقيقة هدفا للفلسفة بل اللاحقيقة أي فيما يضللنا ويخدعنا والذي لا يمكن الإمساك به إلا داخل عالم متخيل، فقد حاصر هيدغر الميتافيزيقا التي تحجب كينونة الكائن داخل الأنطولوجيا مقوّضا خداعها في تخييل "الأرض الموعودة" التي ينتهي عندها الوجود الذي تستند إليه كل حقيقة.
تفتقد الكتابات الفلسفية العربية إلى فضاء تخييلي داخل اللغة مما يعني فقدان الخاصية التمثيلية للغة وهذا يتجلى بالأساس في غياب الاستعارات البانية للمفاهيم أو الحاملة للأفكار، والاستعارات، هنا، بوصفها نماذج تخييلية دافعة للتفكير وهي تنشأ في سياق عقلاني عام داخل التاريخ ولذلك تغيب في التاريخ العربي الإسلامي استعارات مؤسسة وفاعلة يمكن أن يُبنى عليها فكر قابل لأن يتفلسف، مما يحيلنا إلى الرموز المؤسسة لكل حضارة، الرموز مفاتيح التفكير، فكيف تتشكل فلسفة عربية دون رموز؟ كيف يمكن الدفع بالأفكار إلى حدودها القصوى دون تخييل؟ إذ لا يقوم "فعل التأسيس" في خطاب فلسفي ما إلا على قاعدة أنطولوجية تسكن مجالا تخييليا كالشعر مثلا (حالة هيدغر وعلاقته بشعر هولدرلين).
4- الحق في الفلسفة:
لقد انخرطنا – كعرب- ضمن تجربة الكتابة الفلسفية بشكل تلقائي مفترضين أن هذا االانخراط هو حق طبيعي في الأصل دون أن نقف أمام السؤال: هل من حقنا "الفلسفة"؟ وما مشروعية هذا الحق؟ إذ يوجد ارتباط وثيق بين ماهية الفلسفة والعقل الذي يمارس الفلسفة وتنشأ عن هذه الممارسة هوية مخصوصة تتكون في تاريخ الفلسفة بشكل لا يسمح بجعل الحق في الفلسفة حقا كونيا، إنها مصادرة العقل لذاته، ومن ثمة فإن التاريخ يمنعنا من هذا الحق، ولا سبيل، إذن، لاكتساب هذا الحق إلا باختراق التاريخ أي بتفكيك الرابطة العقلانية التي تنشئ الهوية المخصوصة للفلسفة.
لقد قال دريدا:" فالتوفر على "الحق في الفلسفة" معناه التمكن من النفاذ المشروع إلى شيء تظل هويته وتفرده وعموميته إشكالية، مثل الفلسفة ذاتها، فمن الذي يطمح بشكل مشروع إلى الفلسفة؟ ومن الذي يفكر ويقول ويناقش ويتعلم ويدرس ويبسط ويعرض أو يتمثل الفلسفة؟" ، فهل يمكن للكتابات الفلسفية العربية أن تصبح جزءا من هوية متفردة؟ هوية لها ذاكرة؟
فالحق في الفلسفة، إذن، هو الحق في "الأصل" كميراث وهذا يتعارض مع ماهية الفلسفة، ومنه فنحن أمام تعارض شديد، إذ كيف يكون الحق في الفلسفة حقا عربيا طبيعيا في حين أن الأصل يمكنه أن يتمدد ولكنه لا يتكرر، فتاريخ الفلسفة هو تاريخ الأصل، فلا يكون للنسخة الحق في أن تتحول إلى أصل ولا يمكنها ذلك.
إن هذا لا يعني أن الفلسفة الغربية قد أغلقت على الأصل وعلى الحق في الأصل، بل يعني أن ماهية التفكير الفلسفي تقوم في عدم توصيف الفلسفة بالحق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://saidaphilo.forumalgerie.net
 
فلسفة غربية هل هي ممكنة؟ د .عمارة الناصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الامتحان الاستدراكي : ماستر " 1 " فلسفة عامة
» كتاب مقدمات في فلسفة القيم د. عبد اله موسى
» مذكرة تخرج ليسانس فلسفة lmd بطاقة كتاب
» قائمة بكتب فلسفة العلوم بالمكتبة المركزية بجامعة د.الطاهر مولاي - سعيدة
» قائمة بكتب فلسفة اللغة بالمكتبة المركزية بجامعة د.الطاهر مولاي - سعيدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قسم العلوم الاجتماعية سعيدة  :: مقاييس الفلسفة :: فكر عربي-
انتقل الى: